فصل: باب الأجير على عمل متى يستحق الأجرة وحكم سراية عمله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة

1 - عن علي رضي اللّه عنه قال ‏(‏جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فطننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته فأكل معي منها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن أنس ‏(‏لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء فكانت الأنصار أهل الارض والعقار فقاسمهم الأنصار على ان أعطوهم نصف ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة‏)‏‏.‏

أخرجاه قال البخاري وقال ابن عمر أعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الأجارة بعد ما قبض النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

حديث عليه عليه السلام جود الحافظ إسناده وأخرجه ابن ماجه بسند صححه ابن السكن‏.‏ وأخرج البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عباس بلفظ ‏(‏أن عليا عليه السلام أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وعندهما إن عدد التمر سبعة عشر‏)‏ وفي إسناده حنش راوية عن عكرمة وهو ضعيف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ذنوبا‏)‏ هو لدلو مطلقا أو التي فيها ماء أو الممتلئة أو التي هي غير ممتلئة أفاد معنى ذلك في القاموس‏.‏ وقد قدمنا تحقيقه في أول هذا الشرح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مجلت‏)‏ بكسر الجيم أي غلطت وتنفطت وبفتح الجيم غلظت فقط‏.‏ قال في القاموس مجلت يده كنصر وفرح مجلا ومجولا نفطت من العمل فمرنت كامجلت وقد أمجلها العمل أو المجل أن يكون بين الجلد واللحم ماء أو المجلة جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل‏.‏ وحديث علي عليه السلام فيه بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس واتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المتنن وان تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا والأجير من أشراف الناس وعظمائهم‏.‏ وأورده المصنف للاستدلال به على جواز الاجارة معاددة يعني ان يفعل الأجير عددا معلوما من العمل بعدد معلوم من الأجرة وإن لم يبين في الأبتداء مقدار جميع العمل والأجرة‏.‏ وحديث أنس فيه دليل على جواز اجارة الأرض بنصف الثمرة الخارجة منها في كل عام وكذلك حديث ابن عمر وقد تقدم بسط الكلام على اجارة الأرض وما يصح منها ومالا يصح في المزارعة‏.‏

 باب ما يذكر في عقد الأجارة بلفظ البيع

1 - عن سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال من كان له فضل أرض فيزرعها أو لزرعها أخاه ولا تبيعوها قيل لسعيد مالا تبيعوها يعني الكراء قال نعم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه الحديث في المزارعة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال له على صحة إطلاق لفظ البيع على الأجارة وهو مجاز من باب إطلاق الحكم على الشيء وهو لما هو من الأشياء التابعة له كإطلاق البيع هنا على الأرض وهو لمنفعتها‏.‏

 باب الأجير على عمل متى يستحق الأجرة وحكم سراية عمله

1 - عن أبي هريرة ‏(‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول اللّه عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

2 - وعن أبي هريرة في حديث له عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه يغفر لامته في آخر ليلة من رمضان قيل يا رسول اللّه أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

حديث أبي هريرة الثاني أخرجه أيضا البزار وفي إسناده هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف‏.‏ وحديث عمرو بن شعيب قال أبو داود بعد إخراجه هذا لم يروه إلا الوليد بن مسلم لا يدري هو صحيح أم لا‏.‏ وأخرجه النسائي مسندا ومنقطعا‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن‏)‏ أخرجه أبو داود وفي إسناده مجهول لا يعلم هل له صحبة أم لا قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة أنا خصمهم‏)‏ قال ابن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين الا أنه أراد التشديد على هولاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد والاثنين وعلى أكثر من ذلك‏.‏ وقال الهروي الواحد بكسر أوله قال الفراء الأول قول الفصحاء ويجوز في الاثنين خصمان وفي الثلاثة خصوم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ومن كنت خصمه خصمته‏)‏ هذه الزيادة ليست في صحيح البخاري ولكنه أخرجها أحمد وابن حبان وابن خزيمة والإسماعيلي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أعطى بي ثم غدر‏)‏ المفعول محذوف والتقدير أعطى يمينه بن أي عاهد وحلف باللّه ثم لم يف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏باع حرا وأكل ثمنه‏)‏ خص الأكل لأنه أعظم مقصود وفي رواية لأبي داود ورجل اعتبد محررهوهو أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول‏.‏ قال الخطابي اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق والأول أشدهما قال في الفتح والأول أشد لأن فيه مع كتم الفعل أو جحده العمل بمقتضى ذلك مع البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد‏.‏ قال المهلب وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين اكفاء بالحرية فمن بباع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح اللّه له والزمه الذي أنقذه اللّه منه‏.‏ وقال ابن الجوزي الحر عبد اللّه فيمن جني عليه فخصمه سيده قال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا يقطع عليه يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله إلا ما يروى عن علي عليه السلام أنه تقطع يد من باع حرا قال وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي رضي اللّه عنه أنه قال من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد‏.‏ وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل اللّه‏.‏ ومن طريق زرارة ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت ‏{‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏}‏ ونقل عن الشافعي مثل ذلك ولا يثبت أكثر أصحابه‏.‏ وقد استقر الإجماع على المنع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولم يوفه أجره‏)‏ هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض فكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إنما يوفى أجره إذا قضي عمله‏)‏ فيه دليل على أن الأجرة تستحق بالعمل وأما الملك فعند العترة وأبي حنيفة وأصحابه إنما تملك بالعقد فتتبعها أحكام الملك‏.‏ وعند الشافعي وأصحابه أنها تستحق بالعقد وهذا في الصحيحة وأما الفاسدة فقال في البحر لا تحب بالعقد إجماعا وتجب بالاستيفاء إجماعا قوله‏:‏ ‏(‏فهو ضامن‏)‏ فيه دليل على أن متعاطي الطب يضمن ما حصل من الجناية بسبب علاجه وأما من علم منه أنه طبيب فلا ضمان عليه وهو من يعرف العلة ودوائها وله مشايخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق فيها وأجازوا له المباشرة‏.‏

 كتاب الوديعة والعارية

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا ضمان على مؤتمن‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

الحديث قال الحافظ في إسناده ضعف وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عنه بلفظ ‏(‏ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان‏)‏ وقال إنما نروي هذا عن شريح غير مرفوع‏.‏ قال الحافظ وفي اسناده ضعيفان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الوديعة‏)‏ هي في اللغة مأخوذة من السكون يقال ودع الشيء يدع إذا سكن فكأنها ساكنة عند المودع وقيل مأخوذة من الدعة وهي خفض العيش لأنها غير مبتذلة بالانتفاع‏.‏ وفي الشرع العين التي يضعها مالكها عند آخر ليحفظها وهي مشروعة إجماعا‏.‏ والعارية بتشديد الياء قال في النهاية كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار ويجمع على عوارى مشددا‏.‏ وفي الشرع إباحة منافع العين بغير عوض وهي أيضا مشروعة إجماعا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا ضمان على مؤتمن‏)‏ فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان أمينا على عين من الأعيان كالوديع والمستعير أما الوديع فلا يضمن قيل إجماعا إلا لجناية منه على العين‏.‏ وقد حكى في البحر الإجماع على ذلك وتأول ما حكي عن الحسن البصري أن الوديع لا يضمن إلا بشرط الضمان بأن ذلك محمول على ضمان التفريط لا الجناية المتعمدة والوجه في تضمينه الجناية أنه صار بها خائنا والخائن ضامن لقوله‏:‏صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏ولا على المستودع غير المغل ضمان‏)‏ والمغل هو الخائن وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين لأنه نوع من الخيانة وأما العارية فذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل منه تعد‏.‏ وقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وعزاه صاحب الفتح إلى الجمهور أنها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه‏.‏ وعن حسن البصري والنخعي والأوزاعي وشريح والحنفية أنها غير مضمونة‏.‏ وأن شرط الضمان وعند العترة وقتادة والعنبري أنه إذا شرط الضمان كانت مضمونة وحكى في البحر عن مالك والبتي أن غير الحيوان مضمون أو الحيوان غير مضمون واستدل من قال أنه لا ضمان على غير المعتدي بما تقدم من قوله‏:‏صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏ليس على المستعير غير المغل ضمان‏)‏ وبقوله‏:‏ ‏(‏لا ضمان على مؤتمن‏)‏ وبما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمرو بلفظ ‏(‏من أودع وديعة فلا ضمان عليه‏)‏ وفي إسناده المثنى ابن الصباح وهو متروك وتابعه ابن لهيعة فيما ذكره البيهقي‏.‏ وبما أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي أمامة أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول في حجة الوداع العارية مؤداة والزعيم غارم وتعقب بأن التصريح بضمان الزعيم لا يدل على عدم ضمان المستعير‏.‏ واستدل من قال بالضمان بحديث سمرة الآتي وبقوله‏:‏تعالى ‏{‏إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ ولا يخفى أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت‏.‏ واستدل من فرق بين الحيوان وغيره بحديث صفوان الآتي ولا يخفى أن دلالته على أن غير الحيوان مضمون لا يستفاد منها أن حكم الحيوان بخلافه‏.‏

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن‏.‏

الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس‏.‏ وفي إسناده أيوب بن سويد مختلف فيه وقد تفرد به كما قال الطبراني وقد استنكر حديث الباب أبو حاتم الرازي‏.‏ وأخرجه أيضا البيهقي ومالك‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي إسناده من لا يعرف‏.‏ وأخرجه أيضا الدارقطني‏.‏ وعند أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف‏.‏ وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي وأبي نعيم‏.‏ وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي لأن يوسف ابن ماهك رواه عن فلان عن آخر وقد صححه ابن السكن‏.‏ وعن الحسن مرسلا عند البيهقي‏.‏ قال الشافعي هذا الحديث ليس ثابت‏.‏ وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه‏.‏ وقال أحمد هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح ولا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين أمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضا للاحتجاج‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا تخن من خانك‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله فيكون مخصصا لعموم قوله‏:‏تعالى ‏{‏وجزاء سيئة سيئة مثلها‏}‏ وقوله‏:‏تعالى ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏}‏ وقوله‏:‏تعالى ‏{‏ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏‏.‏

ـ والحاصل ـ أو الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات‏.‏ وحديث الباب مخصص لهذه الآيات فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن عن طريق المجازاة فإنها حلال إلا الخيانة لأنها لا تحل ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة كما يشعر بذلك كلام القاموس فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على أنه لا يجوز لمن تعذر عليه استيفاء حقه حبس حق خصمه على العموم كما فعله صاحب البحر وغيره إنما يصح الاستدلال به على أنه لا يجوز للإنسان إذا تعذر عليه استيفاء حقه أن يحبس عنده وديعة لخصمه أو عارية مع أن الخيانة إنما تكون على جهة الخديعة والخفية وليس محل نزاع من ذلك ومما يؤيد الجواز اذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ لها ولولدها من مال زوجها ما يكفيها كما في الحديث الصحيح‏.‏ وقد اختلف في مسألة الحبس المذكورة فذهب الهادي إلى أنه لا يجوز مطلقا لا من الجنس ولا من غيره‏.‏ قال المؤيد باللّه أن قول الهادي مسبوق بالإجماع وقال الشافعي والمنصور باللّه يجوز من الجنس وغيره‏.‏ وقال أبو حنيفة والمؤيد باللّه يجوز من الجنس فقط‏.‏ وقال الإمام يحيى يجوز من الجنس ثم من غيره لتعذره دينا‏.‏ قال في البحر بعد حكاية الخلاف قلت الأقرب اشتراط الحاكم حيث يمكن للخبر يعني حديث الباب فإن تعذر جاز الحبس وغيره لئلا تضيع الحقوق ولظواهر الآى‏.‏

3 - وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال على اليد ما أخذت حتى تؤديه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي زاد أبو داود والترمذي قال قتادة ثم نسي الحسن فقال هو أمينك لا ضمان عليه يعني العارية‏.‏

الحديث صححه الحاكم وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور قد تقدم وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخضته يده من مال غيره باعارة أو اجارة أو غيرهما حتى يرده إلى مالكه وبه استدل من قال بأن الوديع والمستعير ضامنان وقد تقدم الخلاف في ذلك وهو صالح للاحتجاج به على التضمين لأن المأخوذ إذا كان على اليد الآخذة حتى ترده فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر لفظ على من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ‏.‏ وقال المقبلي في المنار يحتجون بهذا الحديث في مواضع على التضمين ولا أراه صريحا لأن اليد الأمينة أيضا عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة

ومستخبر عن سر ليلى تركته بعمياء من ليلى بغير يقين

يقولون خبرنا فأنت أمينها وما أنا أن خبرتهم بأمين

إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية وليس الفرق بين المضمون وغير المضمون إلا هذا‏.‏ وأما الحفظ فمشترك وهو الذي تفيده على فعلي هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال هو أمينك لا ضمان عليه بعد رواية الحديث اه ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة وبيان ذلك أن قوله‏:‏لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة يقتضي الملازمة بين عدم الرد وعدم الأمانة فيكون تلف الوديعة والعارية بأي وجه من الوجوه قبل الرد مقتضيا لخروج الأمين عن كونه أمينا وهو ممنوع فإن المقتضى لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجا عن كونه أمينا كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة‏.‏ وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما أسلفنا‏.‏ وقال في ضوء النهار إن الحديث إنما يدل على وجوب تأدية غير التالف والضمان عبارة عن غرامة التالف اه ولا يخفى أن قوله‏:‏في الحديث ‏(‏على اليد ما أخذت‏)‏ من المقتضى الذي يتوقف فهم المراد منه على مقدر وهو إما الضمان أو الحفظ أو التأدية فيكون معنى الحديث على اليد ضمان ما أخذت أو حفظ ما أخذت أو تأدية ما أخذت ولا يصح ههنا تقدير التأدية لأنه قد جعل قوله‏:‏حتى تؤديه غاية لها والشيء لا يكون غاية لنفسه‏.‏ وأما الضمان والحفظ فكل واحد منهما صالح للتقدير ولا يقدران معالما تقرر من أن المقتضى لا عموم له فمن قدر الضمان أوجبه على الوديع والمستعير ومن قدر الحفظ أوجبه عليهما ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر وبهذا تعرف أن قوله‏:‏إنما يدل الحديث على وجوب التأدية لغير التالف ليس على ما ينبغي وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول أن العمل بالرواية لا بالرأي‏.‏

4 - وعن صفوان بن أمية ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استعار منه يوم حنين أدرعا فقال أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة قال قضاع بعضها فعرض عليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم في الإسلام أرغب‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

5 - وعن أنس بن مالك قال ‏(‏كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فرسا من أبي طلحة يقال له المندوب فركبه فلما رجع قال ما رأينا من شيء وان وجدناه لبحرا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

حديث صفوان أخرجه أيضا النسائي والحاكم وأورد له شاهدا من حديث ابن عباس ولفظه ‏(‏بل عارية مؤداة‏)‏ وفي رواية لأبي داود ‏(‏أن الأدراع كانت ما بين الثلاثين إلى الأربعين‏)‏ ورواه البيهقي عن أمية بن صفوان مرسلا وبين أن الأدراع كانت ثمانين‏.‏ ورواه الحاكم من حديث جابر وذكر أنها مائة درع‏)‏ وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث يعلي بن أمية وقد تقدم في كتاب الوكالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أغصبا‏)‏ معمول لفعل مقدر هو مدخول الهمزة أي أتأخذها غصبا لا تردها علي فأجاب صلى اللّه عليه وآله وسلم بقوله‏:‏بل عارية مضمونة فمن استدل بهذا الحديث على أن العارية مضمونة جعل لفظ مضمونة صفة كاشفة لحقيقة العارية أي أن شأن العارية الضمان جعل لفظ مضمونة صفة مخصصة أي استعيرها منك عارية متصفة بأنها مضمونة لا عارية مطلقة عن الضمان قوله‏:‏ ‏(‏فعرض عليه أن يضمنها‏)‏ فيه دليل على أن الضياع من أسباب الضمان لا على أن مطلق الضياع تفريط وأنه يوجب الضمان على كل حال لاحتمال أن يكون تلف ذلك البعض وقع فيه تفريط‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فزع‏)‏ أي خوف من عدو وأبو طلحة المذكور هو زيد بن سهل زوج أم أنس قوله‏:‏ ‏(‏يقال له المندوب‏)‏ قيل سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق‏.‏ وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح قوله‏:‏ ‏(‏وان وجدناه لبحرا‏)‏ قال الخطابي ان هي النافية واللام بمعنى الا أي ما وجدناه الا بحرا‏.‏ قال ابن التين هذا مذهب الكوفيين وعند البصرين ان ان مخففة من الثقيلة واللام زائدة قال الأصمعي‏.‏ يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري بلفظ ‏(‏فكان بعد ذلك لا يجارى‏)‏‏.‏

6 - وعن ابن مسعود قال ‏(‏كنا نعد الماعون على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عارية الدلو والقدر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود وحسنه المنذري‏.‏ وروى عن ابن مسعود وابن عباس أنهما فسرا قوله‏:‏تعالى ‏{‏وينعون الماعون‏}‏ أنه متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفاس والدلو والحبل والقدر وما أشبه ذلك‏.‏ وعن عائشة المعاون الماء والنار والملح وقيل المعاون الزكاة قال الشاعر ‏:‏

قوم على الإسلام لما يمنعوا ** ماعونهم ويضيعوا التهليلا

قال في الكشاف وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار وقبيح في المروءة في غير حال الضرورة‏.‏ وأخرج أبو داود والنسائي عن بهيسة بضم الموحدة وفتح الهاء وسكون الياء التحتية بعدها سين مهملة الفزارية عن أبيها قالت ‏(‏أستأذن أبي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فدخل بينه وبين قميصة فجعل يقبله ويلتزم ثم قال يا رسول اللّه ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي اللّه ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا نبي اللّه ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك‏)‏‏.‏ وسيأتي حديث بهيسة هذا في باب اقطاع المعادن من كتاب احياء الموات‏.‏ ورورى ابن أبي حاتم عن قرة بن دعموس النميري ‏(‏أنهم وفدوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول اللّه ما تعهد إلينا قال لا تمنعوا الماعون قالوا يا رسول اللّه وما الماعون قال في الحجر والحديد وفي الماء قالوا فأي الحديد قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهون به قالوا وما الحجر قال قدوركم الحجارة‏)‏ وهذا حديث غريب‏.‏ وروري عن عكرمة ‏(‏أن رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والأبرة‏)‏ وروى ابن أبي حاتم أن الماعون العواري واصل الماعون من المعن وهو الشيء القليل فسمي الزكاة ماعونا لأنها قليل من كثير وكذلك الصدقة وغيرها وهذه التفاسير ترجع كلها إلى شيء واحد وهو المعاونة بمال أو منفعة ولهذا قال محمد بن كعب الماعون المعروف‏.‏ وفي الحديث ‏(‏كل معروف صدقة‏)‏‏.‏

7 - وعن عائشة ‏(‏أنها قالت وعليها درع قطري ثمن خمسة دراهم كان لي منهن درع على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏درع‏)‏ الدرع قميص المرأة وهو مذكر‏.‏ قال الجوهري ودرع الحديد مؤنثه وحكى أبو عبيدة أنه أيضا يذكر ويؤنث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قطري‏)‏ بكسر القاف وسكون المهملة بعداها راء وفي رواية المستملي والسرخسي بضم القاف وسكون المهملة وآخره نون والقطري نسبة إلى القطر وهي ثياب من غليظ القطن وغيره‏.‏ وقيل من القطن خاصة تعرف بالقطرية فيها حمة قال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية من البحرين فكسروا القاف للنسبة وخففوا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ثمن خمس دارهم‏)‏ بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة بالخفض على الأضافة أبو برفع ثمن وخمسة على حذف الضمير والتقدير ثمنه خمسة‏.‏ وروى بضم أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي ونصب خمسة على نزع الخافض أي قوم بخمسة دراهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏تقين‏)‏ بالقاف والتحتانية المشددة أي تزين من قال الشيء قيانة أي أصلحه والقنية يقال للماشطة وللمغنية‏.‏ وحكى ابن التين أنه روى تفنن بالفاء أي تعرض وتجلى على زوجها‏.‏ قال في الفتح ولم يضبط ما بعد الفاء ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقانية‏.‏ قال ابن الجوزي أرادت عائشة أنهم كانوا أولا في حال ضيق فكان الشيء المحتقر عندهم أذ ذاك عظيم القدر وفي الحديث إن عارية الثياب للعرس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من التشيع‏.‏

4 - وعن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال مامن صاحب إبل ولا بقر ولاغنم لا يؤدي حقها الا اقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن ليس فيها يؤمئذ جماء ولا مكسورة القرن قلنا يا رسول اللّه وما حقها قال اطراق فحلها واعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل اللّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث قد سبق شرح بعض ألفاظه في أول كتاب الزكاة قوله‏:‏ ‏(‏اطراق فحلها‏)‏ أي عارية الفحل لمن أراد أن يستعيره من مالكه ليطرق به على ما شيته قوله‏:‏ ‏(‏واعارة دلوها‏)‏ أي من حقوق الماشية أن يعير صاحبها الدلو الذي يسقيها به إذا طلبه منه من يحتاج إليه قوله‏:‏ ‏(‏ومنحتها‏)‏ بالنون والمهملة والمنحة في الأصل العطية قال أبو عبيدة المنحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه فيكون له والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنائم يردها والمراد بها هنا عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد لصاحبها‏:‏ قال القزاز قيل لا تكون المنيحة الاناقة أو شاة والأول أعرف قوله‏:‏ ‏(‏وحلبها على الماء‏)‏ بالحاء المهملة في جميع الروايات وأشار الداودي إلى أنه رورى بالجيم وقال أراد أنها تساق إلى موضع سقيها وتعقب بأنه لو كان كذلك يقال وحلبها إلى الماء لا على الماء وإنما المراد حلبها هناك لنفع من يحضر من المساكين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حمل عليها‏)‏ الخ أي من حقها أن يبذلها المالك لمن أراد أن يستعيرها لينتفع بها في الغزو‏.‏

 كتاب إحياء الموات

1 - عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏من أحاط حائطا على أرض فهي له‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولأحمد مثله من رواية سمرة‏.‏

2 - وعن سعيد بن زيد قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق‏)‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

3 - وعن عائشة قالت ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من عمر ارضا ليست لأحد فهو أحق بها ‏(‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

4 - وعن أسمر بن مضرس قال ‏(‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فبايعته من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهو له قال فخرج الناس يتعادون يتخاطون‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث جابر أخرجه بنحوه النسائي وابن حبان‏.‏ وحديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود والطبراني والبيهقي وصححه ابن الجارود وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف ولفظه من أحاط حائطا على الأرض فهي له‏.‏ وحديث سعيد أخرجه أيضا النسائي وحسنه الترمذي وأعله بالإرسال فقال وروى مرسلا ورجح الدارقطني إرساله أيضا‏.‏ وقد اختلف مع ترجيح الإرسال من هو الصحابي الذي روى من طريقه فقيل جابر‏.‏ وقيل عائشة‏.‏ وقيل عبد اللّه بن عمر ورجح الحافظ الأول وقد اختلف فيه على هشام بن عروة اختلافا كثيرا‏.‏ ورواه أبو داود الطيالسي من حديث عائشة وفي إسناده زمعة وهو ضعيف ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما من حديث كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وعلقه البخاري زحديث أسمر بن مضرس صححه الضياء في المختارة وقال البغوي لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من أحيا أرضا ميتة‏)‏ الأرض الميتة هي التي لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت والإحياء أن يعمد شخص إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد فيحيها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه كما يدل عليه أحاديث الباب وبه قال الجمهور وظاهر الأحاديث المذكورة أنه يجوز الإحياء سواء بإذن الإمام أو بغير إذنه‏.‏ وقال أبو حنيفة لا بد من إذن الإمام وعن مالك يحتاج إلى اذن الإمام فيما لأهل القرية إليه حاجة من مرعى ونحوه وبمثله قالت الهادوية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من أحاط حائطا‏)‏ فيه أن التحويط على الأرض من جملة ما يستحق به ملكها والمقدار المعتبر ما يسمى حائطا في اللغة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس لعرق ظالما حق‏)‏ قال في الفتح رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظالم‏.‏ ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق ويكون المراد بالعرق الأرض ويا لاول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة‏.‏ وقال ربيعة العرق الظالم يكون ظاهر أو يكون باطنا فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار‏.‏ واستخرجه من المعادن والظاهر ما بناه أو غرسه‏.‏ وقا لغيره العرق الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عمر أرضنا‏)‏ بفتح العين وبتخفيف الميم ووقع في البخاري من أعمر بزيادة الهمزة في أوله وخطئ راويها‏.‏ وقال ابن بطال يمكن أن يكون اعتمر فسقطت التاء من النسخة وقال غيره قد سمع فيه الرباعي يقال أعمر اللّه بك منزلك‏.‏ ووقع في رواية أبي ذر من أعمر بضم الهمزة أي أعمره بغيره‏.‏ قال الحافظ وكأن المراد بالغير الإمام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يتعادون‏)‏ يتخاطون المعاداة الإسراع بالسير والمراد بقوله‏:‏يتخاطون يعلمون على الأرض علامات بالخطوط وهي تسمى الخطط واحدتها خطة بكسر الخاء وأصل الفعل يتخاططون فأدغمت الطاء في الطاء والتقييد بالمسلم في حديث أسمرة يشعر بأن المراد بقوله‏:‏في حديث عائشة ‏(‏ليست لأحد‏)‏ أي من المسلمين فلا حكم لتقدم الكافر أما إذا كان حربيا فظاهر وأما الذمي ففيه خلاف معروف‏.‏

 باب النهي عن منع فضل الماء

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا تنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولمسلم ‏(‏لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ‏)‏‏.‏ وللبخاري ‏(‏لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ‏)‏‏.‏

2 - وعن عائشة قالت ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يمنع نقع البئر‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

3 - وعن مرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال منع فضل مائة أو فضل منعه اللّه عز وجل فضله يوم القيامة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4 - وعن عبادة بن الصامت ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بين أهل المدينة في النخل أن لا يمنع نقع بئر وقضي بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ‏)‏‏.‏

رواه عبد اللّه بن أحمد في المسند‏.‏

حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الخزاعي وهو ثقة وقد ضعفه بعضهم لكن حديث أبي هريرة يشهد لصحة الأحاديث المذكورة بعده ومما يشهد لصحتها حديث جابر عند مسلم ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن فضل بيع الماء‏)‏ وحديث إياس بن عبد عند أهل السنن بنحوه وصححه الترمذي‏.‏ وقال أبو الفتح القشيري هو على شرطهما ولكن حديث عمرو بن شعيب في إسناده ليث بن أبي سليم وقد رواه الطبراني في الصغير من حديث الأعمش عن عمرو بن شعيب ورواه في الكبير من حديث وائلة بلفظ آخر وإسناده ضعيف وحديث عائشة رواه ابن ماجه من طريق عبد اللّه بن إسماعيل وهو ابن أبي خالد الكوفي قال أبو حاتم مجهول وكذا قال في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فضل الماء‏)‏ المراد به ما زاد على الحاجة ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ ‏(‏ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه‏)‏ قال في الفتح وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة‏.‏ وكذلك في الموات إذا كان لقصد التملك والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها وأما البءر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل‏.‏ وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته هذا هو الصحيح عند الشافعية وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي لا تملك لا يجب عليه بذل فضلها وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح اه‏.‏ قال في البحر والماء على أضرب‏.‏ حق إجماعا كالأنهار غير المستخرجة والسيول‏.‏ وملك إجماعا كماء يحرز في الجرار ونحوها‏.‏ ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقنا المحتفرة في الملك اه والقنا هي في الفتح القاف الكظامة التي تحت الأرض وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك‏.‏ قالابن بطال لا خلاف بين العلماء إن صاحب الحق أحق بمائه حتى يروى‏.‏ قال الحافظ وما نفاه من الخلاف هو على القول بإن الماء يملك فكأن الذين يذهبون إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك وقد استدل بتوجه النهي إلى الفضل على جواز بيع الماء الذي لا فضل فيه وقد تقدم الكلام على ذلك في البيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليمنع به الكلأ‏)‏ بفتح الكاف والام بعدها همزة مقصورة وهو النبات رطبة ويابسة والمعنى أن يكون حول البءر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعم من الرعي وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك والصحيح عند الشافعية وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية وفر الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع وبهذا أجاب النووي وغيره واستدل لمالك بحديث جابر المتقدم لإطلاقه وعدم تقييده وتعقب بأنه يحمل على المقيد وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا منع من المنع لانتقاء العلة‏.‏ قال الخطابي والنهي عند الجمهور للتنزيه وهو محتاج إلى دليل صرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم‏.‏ قال في الفتح وظاهر الحديث وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور وقيل لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له فيكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ولكنه لا يخفى أن رواية لا يباع فضل الماء ورواية النهي عن بيع فضل الماء يدلان على تحريم البيع ولو جاز له العوض لجاز له البيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نقع البئر‏)‏ أي الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها‏.‏ وفيه دليل على أنه لا يجوز منع فضل الماء الكائن في البئر كما لا يجوز منع فضل ماء النهر وأنه لا فرق بينهما والنقع بفتح النون وسكون القاف بعدها عين مهملة‏.‏

 باب الناس شركاء في الثلاث وشرب الأرض العليا قبل السفلى إذا قل الماء أو اختلفوا فيه

1 - عن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يمنع الماء والنار والكلأ‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

2 - وعن أبي خراش عن بعض أصحابة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المسلمون شركاء في ثلاثة في الماء والكلأ والنار‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأ‏بو داود ورواه ابن ماجة من حديث ابن عباس وزاد فيه ‏(‏وثمنه حرام‏)‏‏.‏

حديث أبي هريرة قال الحافظ إسناده صحيح وحديث بعض الصحابة رواه أبو نعيم في الصحابة في ترجمة أبي خراش لم يدرك النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال الحافظ وهو كما قال فقد سماه أبو داود في روايته حبان بن زيد وهو الشرعبي تابعي معروف‏.‏ قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات‏.‏ وحديث ابن عباس فيه عبد اللّه بن خراش وهو متروك وقد صححه ابن السكن‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند الخطيب وزاد والملح وفيه عبد الحكيم بن ميسرة ورواه الطبراني بسند حسن \عن زيد بن جبير عن ابن عمرو له عنده طريق أخرى وعن بهيسة عن أبيها عند أبي داود وقد تقدم لفظه في شرح حديث ابن مسعود من كتاب الوديعة والعارية وسيأتي في باب اقطاع المعادن‏.‏ وعن عائشة عند ابن ماجة ‏(‏أنها قالت يا رسول اللّه ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح والماء والنار‏)‏ الحديث‏.‏ وإسناده ضعيف كما قال الحافظ‏.‏ وعن أنس عند الطبراني في الصغير بلفظ ‏(‏خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار‏)‏ قال أبو حاتم في العلل هذا حديث منكر‏.‏ وعن عبد اللّه بن سرجس عند العقيلي في الضعفاء نحو حديث بهيسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الماء‏)‏ فيه دليل على أن الناس شركة في جميع أنواع الماء من غير فرق بين المحرز وغيره وقد تقدم في الباب الأول أن الماء المحرز في الجرار ونحوها ملك إجماعا ومن لازم الملك الاختصاص وعدم الاشتراك بين غيره منحصرين كما يقضي به الحديث فإن صح هذا الإجماع كان مخصصا لأحاديث الباب‏.‏ وأما ماء الأنهار فقد تقدم أنه حق بالإجماع واختلف في ماء الآبار والعيون والكظائم فعند الشافعية والحنفية وأبي العباس وأبي طالب أنه حق لا ملك واستدلوا بأحاديث الباب‏.‏ وقال الإمام يحيى والمؤيد باللّه في أحد قوليه وبعض أصحاب الشافعي أنه ملك وقاسوه على الماء المحرز في الجرار ونحوها فورد بأنه بالسيول أشبه منه بماء الجرة ونحوها قال في البحر فصل ومن احتفر بئرا أو نهرا فهو أحق بمائة إجماعا وإن بعدت منه أرضه وتوسط غيرها اه واختلف في ماء البرك فقيل حق وقيل ملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنار‏)‏ قيل المراد بها الشجر الذي يحبطه الناس وقيل المراد بها الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها‏.‏ وقيل المراد بها الحجارة التي توري النار إذا كانت في موات الأرض وإذا كان المراد بها الضوء فلا خلاف أنه لا يختص به صاحبه وكذلك إذا كان المراد بها الحجارة المذكورة وإن كان المراد بها الشجر فالخلاف بيه كالخلاف في الحطب وسيأتي قوله‏:‏ ‏(‏والكلأ‏)‏ قد تقدم تفسيره في الباب الذي قبل هذا وهو أعم من الخلا والحشيش لأن الخلا مختص بالرطب من النبات والحشيش مختص باليابس والكلأ يعمهما قيل المراد بالكلأ هنا هو الذي يكون في المواضع المباحة كالأودية والجبال والأراضي التي لا ملك لها‏.‏ وأما ما كان قد أحرز بعد قطعه فلا شركة فيه بالإجماع كما قيل‏.‏ وأما النابت في الأرض المملوكة والمتحجرة ففيه خلاف فقيل مباح مطلقا وإليه ذهبت الهادوية وقيل تابع للأرض فيكون حكمه حكمها وإليه ذهب المؤيد باللّه‏.‏

ـ واعلم ـ أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقا ولا يخرج شيء من ذلك إلا بدليل يخص به عمومها إلا بما هو أعم منها مطلقا كالأحاديث القاضية بأنه ‏(‏لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه‏)‏ لأنها مع كونها إنما تصلح للاحتجاج بها بعد ثبوت الملك وثبوته في الأمور الثلاثة محل النزاع‏.‏

3 - وعن عبادة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى في شرب النخل من السبيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه وكذا حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجة وعبد اللّه ابن أحمد‏.‏

4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل‏)‏‏.‏

رواه أبو داود ابن ماجه‏.‏

حديث عبادة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني وفيه انقطاع وحديث عمرو ابن شعيب في إسناده عبد الرحمن بن الحرث المخزومي المدني تكلم فيه الإمام أحمد وقال الحافظ في الفتح إن إسناد هذا الحديث حسن ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة أنه قضى صلى اللّه عليه وآله وسلم في سيل مهزور أن الأعلى يرسل إلى الأسفل ويحبس قدر الكعبين وأعله الدارقطني بالوقف وصححه الحاكم ورواه ابن ماجه وأبو داود من حديث ثعلبة بن أبي مالك ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن أبي حاتم القرظي عن أبيه عن جده أنه سمع كبراءهم يذكرون ‏(‏أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في مهزور السيل الذين يقسمون ماءه فقضى بينهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس إلا على الأسفل‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مهزور‏)‏ بفتح الميم وسكون الهاء بهدعا زاي مضمومة ثم واو ساكنة ثم راء وهو وادي بن قريظة بالحجاز‏.‏ قال البكري في المعجم هو واد من أودية المدينة‏.‏ وقيل موضع سوق المدينة وكان قد تصدق به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على المسلمين فأقطعه عثمان الحرث بن الحكم أخامر وأقطع مروان فدك‏.‏ وقال ابن الأثير والمنذري أما مهزور بتقديم الراء على الزاي فموضع سوق المدينة‏.‏

وأحاديث الباب تدل على أن الأعلى تستحق أرضه الشرب بالسيل والغيل وماء البئر قبل الأرض التي تحتها وأن الأعلى يمسك الماء حتى يبلغ إلى الكعبين أي كعبي رجل الإنسان الكائنين عند مفصل الساق والقدم ثم يرسله بعد ذلك‏.‏ وقال في البحر أن الماء إذا كان قليلا فحده أن يعم أرض الأعلى إلى الكعبين في النخيل وإلى الشراك في الزرع لقضائه صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك في خبرة عبادة يعني المذكور في الباب قال وأما قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم للزبير ‏(‏اسق أرضك حتى يبلغ الجدر‏)‏ فقيل عقوبة لخصمه وقيل بل هو المستحق وكان أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بالتفضيل فإن كانت الأرض بعضها مطمئن فلا يبلغ في بعضها الكعبين إلا وهو في المطمئن إلى الركبتين قدم المطمئن إلى الكعبين ثم حبسه وسقى باقيها‏.‏ وقال أبو طالب العبرة بالكفاية للأعلى اه وهو المختار عند الهادوية‏.‏ قال ابن التين الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر قال وأما الزرع فالى الشراك وقال الطبري الأراضي مختلفة فيمسك لكل ارض ما يكفيها وسيأتي بقية الكلام على هذه المسألة في شرح حديث الزبير أن شاء اللّه تعالى وقد أورده المصنف رحمه اللّه في باب النهي عن الحكم في حال الغضب من كتاب الأقضية‏.‏

 باب الحمى لدواب بيت المال

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حمى النقيع للخيل خيل المسلمين‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ والنقيع بالنون موضع معروف‏.‏

2 - وعن الصعب بن جثامة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حمى النقيع وقال لا حمى إلا للّه ولرسوله‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وللبخاري منه ‏(‏لا حمى إلا للّه ولرسوله وقال بلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى شرف والربذة‏)‏‏.‏

3 - وعن أسلم مولى عمر ‏(‏أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمي فقال يا هني أضمم جناحك على المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم بن عوف ونعم بن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ورب الصريمة ورب الغنيمة إنما تهلك ماشيتهما يأتيني ببنية يقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر على من الذهب والورق وأيم اللّه أنهم ليرون أني قد ظلمتهم أنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل اللّه ما حميت عليم من بلادهم شيئا‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

حديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن حبان وحديث الصعب أخرجه أيضا الحاكم قال البيهقي أن قول حمى النقيع من قول الزهري وروى الحديث النسائي فذكره الموصول فقط أعني قوله‏:‏ ‏(‏لا حمى إلا للّه ولرسوله‏)‏ ويؤيد ما قاله البيهقي أن أبا داود أخرجه من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري فذكره وقال في آخره قال ابن شهاب وبلغني أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حمي النقيع وقدورهم الحاكم فزعم أن حديث لا حمى إلا للّه متفق عليه وهو من إفراد البخاري وتبع الحاكم في وهمه أبو الفتح القشيري في الإلمام وابن الرفعة في المطلب‏.‏ وأثر عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه مثله‏.‏ وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حمي النقيع‏)‏ أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فالى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه والحمى هو المكان المحمي‏.‏ وهو خلاف المباح ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ وترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها والنقيع هو بالنون كما ذكر المصنف وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك ابن وهب في موطئه وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء وهذا النقيع المذكور في هذا الحديث غير نقيع الخضمات الذي جمع فيه اسعدين زرارة بالمدينة على المشهور كما قال الحافظ‏.‏ وقال ابن الجوزي إن بعضهم قال إنهما واحد قال والأول أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا حمي الا للّه ولرسوله‏)‏ قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد أن يحمي المسلمين إلا ما حماه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم والآخر معناه الا على ما حماه عليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو الخليفة خاصة‏.‏ قال في الفتح وأخذ أصحاب الشافعي من هذا إن له في المسألة قولين والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ اه ومن أصحاب الشافعي من الحق بالخليفة ولاه الأقاليم‏.‏ قال الحافظ ومحل الجواز وطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين اه وظاهر قوله‏:‏في الحديث الأول للخيل خيل المسليمن أنه لا يجوز للامام على فرض الحاقة بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يحمي لنفسه وإلى ذلك ذهب مالك والشافعية والحنفية والهادوية قالوا بل يحمي لخيل المسلمين وسائر أنعامهم ولا سيما أنعام من ضعف منهم من الانتجاع كما فعله عمر في الأثر المذكور‏.‏ وقد ظن بعضهم أن بين الأحاديث القاضية بالمنع من الحمى والأحاديث القاضية بجواز الأحياء معارضة ومنشأ هذا الظن عدم الفرق بينهما وهو فاسد فإن الحمى أخص من الأحياء مطلقا‏.‏ قال ابن الجوزي ليس بين الحديثين معارضة فالحمى المنهى عنه ما يحمى من الموات الكثيرة العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية والاحياء المباح مالا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا قال وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد لكنها تشبه العامرة لما فيها من المنفعة العامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن عمر حمى شرف‏)‏ لفظ البخاري الشرف بالتعريف قال في الفتح والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور‏.‏ وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء‏.‏ وقال في الموطأ ابن وهب بفتح المهملة والراء قال وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب‏.‏ وأما سرف فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الالف واللام قوله‏:‏ ‏(‏والربذة‏)‏ بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة موضع معروف بين مكة والمدينة‏.‏ وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هنيا‏)‏ بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية، قوله‏:‏ ‏(‏الصربمة‏)‏ تصغير صرمة وهي ما بين العشرين إلى الثلاثين من الأبل أو من العشر إلى الأربعين منها‏.‏

 باب ما جاء في اقطاع المعادن

1 - عن ابن عباس قال ‏(‏أقطع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بلال بن الحرث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وروياه أيضا من حديث عمرو بن عوف المزني‏.‏

2 - وعن أبيض بن حمال ‏(‏أنه وفد إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استقطعه الملح فقطع له فلما أن ولي قال رجل أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمي من الأراك فقال ما لم تنله خفاف الأبل‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وأبو داود‏.‏ وفي رواية له ‏(‏أخفاف الأبل‏)‏ قال محمد بن الحسن المخزومي يعني أن الأبل تأكل منتهى رؤوسها ويحمى ما فوقه‏.‏

3 - وعن بهيسة قالت ‏(‏استأذن أبي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فجعل يدنو منه ويلتزمه ثم قال يا نبي اللّه ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يانبي اللّه ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يانبي اللّه ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث ابن عباس في إسناده أبو أويس عبد اللّه بن عبد اللّه أخرج له مسلم في الشواهد وضعفه غير واحد‏.‏ قال أبو عمر هو غريب من حديث ابن عباس ليس يرويه عن أبي أويس غير ثور‏.‏ وحديث عمرو بن عوف الذي أشار إليه المصنف في إسناده ابن انبه كثير بن عبد اللّه بن عوف عن أبيه عن جده وقد تقدم أنه لا يحتج بحديثه‏.‏ وحديث أبيض بن حمال أخرجه أيضا ابن ماجه والنسائي وحسنه الترمذي وصححه ابن حابن وضعفه ابن القطان ولعل وجه التضعيف كونه في إسناده السبائي المازني قال ابن عدي أحاديثه مظلمة منكرة‏.‏ وحديث بهيسة أعله عبد الحق والقطان بأنها لا تعرف وتعقب بأنه ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة ولحديثه شواهد قد تقدمت في كتاب الوديعة والعارية عند الكلام على حديث ابن مسعود في الماعون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القبلية‏)‏ منسوبة إلى قبل بفتح القاف والموحدة وهي ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام‏.‏ وفي رواية لأبي داود معادن القبلية وهي من ناحية الفرع وقد تقدم مثل هذا التفسير في باب ما جاء في الزرع والمعدن من كتاب الزكاة لأن حديث اقطاع بلال تقدم هنالك بلفظ غير ما هنا‏.‏ وقال في القاموس والقبل محركة نشر من الأرض يستقبلك أو رأس كل أكمة أو جبل أو مجتمع رمل والمحجة الواضحة اه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جلسيها‏)‏ بفتح الجيم وسكون اللام وكسر السين المهملة بعدها ياء النسب والجلس كل مرتفع من الأرض ويطلق على أرض نجد كما في القاموس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وغوريها‏)‏ بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وكسر الراء نسبة إلى غور قال في القاموس إن الغور يطلق على ما بين ذات عرق إلى البحر وكل ما انحدر مغربا عن تهامة وموضع منخفض بين القدس وحوران مسيرة ثلاثة أيام في عرض فرسخين وموضع في ديار بني سليم وماء لبني العدوية اه والمراد ههنا المواضع المرتفعة والمنخفضة من معادن القبلية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من قدس‏)‏ بضم القاف وسكون الدال المهملة بعدها سين مهملة وهو جبل عظيم بنجد كما في القاموس‏.‏ وقيل الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع كما في النهاية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏العد‏)‏ بكسر العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا قال في القاموس الماء الذي له مادة لا تنقطع كماء العين اه وجمعه أعداد وقيل العد ما يجمع ويعد ورده الأزهري ورجح الأول‏.‏

وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولمن بعده من الأئمة اقطاع المعادن والمراد بالاقطاع جعل بعض الأراضي الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان ذلك معدنا أو أرضا لما سيأتي فيصير ذلك البعض أولى به من غيره ولكن بشرط أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد وهذا أمر متفق عليه‏.‏ وقال في الفتح حكى عياض ان الاقطاع تسويغ الامام من مال اللّه شيئا لمن يراه أهلا لذلك وأكثر ما يستعمل في الأرض وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه إما بأنيملكه اياه فيعمره وإما أن يجعل له غلته مدة‏.‏ قال السبكي والثاني هو الذي يسمى في زماننا هذا اقطاعا ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره وتخرجه على طريق فقهي مشكل قال والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر ولكنه لا يملك الرقبة بذلك وبهذا جزم الطبري وادعى الأذرعي نفى الخلاف في جواز تخصيص الامام بعض الجند بغلة أرضه إذا كان مستحقا لذلك هكذا في الفتح‏.‏ وحكى صاحب الفتح أيضا عن ابن التين أنه إنما يسمى اقطاعا إذا كان من أرض أو عقار وإنما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد قال وقد يكون الاقطاع تمليكا وتغير تمليك وعلى الثاني يحمل اقطاعه صلى اللّه عليه وآله وسلم الدور بالمدينة‏.‏ قال الحافظ كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي مرسلا ووصله الطبري إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد بن الحسن‏)‏ الخ ذكر الخطابي وجها آخر فقال إنما يحمى من الاراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الأبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي اه وحديث بهيسة يدل على أنه لا يحل منع الماء والملح وقد تقدم الكلام في الماء وأما الملح فظاهر الحديث عدم الفرق بين ما كان في معدنه أو قد أنفصل عنه ولا فرق بين جميع أنواعه الصالحة للانتفاع بها‏.‏

 باب إقطاع الأراضي

1 - عن أسماء بنت أبي بكر في حديث ذكرته قالت ‏(‏كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على رأسى وهو مني على ثلثي فرسخ‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وهو حجة في سفر المرأة اليسير بغير محرم‏.‏

2 - وعن ابن عمر قال ‏(‏أقطع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الزبير حضر فرسه وأجرى الفرس حتى قام ثم رمى بسوطه فقال اقطعوه حيث بلغ السوط‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

3 - وعن عمرو بن حريث قال ‏(‏خط لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم دارا بالمدينة بقوس وقال أزيدك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

4 - وعن وائل بن حجر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قطعه أرضا بحضرموت وبعث معاوية ليقطعها اياه‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

5 - وعن عروة بن الزبير ‏(‏أن عبد الرحمن بن عوف قال اقطعني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا فذهب الزبير إلى آل عمران فاشترى نصيبه منهم فأتى عثمان بن عفان فقال أن عبد الرحمن بن عوف زعم أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا وإني اشتريت نصيب آل عمر فقال عثمان عبد الرحمن جائز الشهادة له وعليه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

6 - وعن أنس قال ‏(‏دعا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الأنصار ليقطع لهم البحرين فقالوا يا رسول اللّه إن فعلت فأكتب لأخواننا في قريش بمثلها فلم يكن ذلك عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إنكم سترون بعدي أثرة فأصبروا حتى تلقوني‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

حديث ابن عمر في إسناده عبد اللّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه مقال وهو أخو عبيد اللّه بن عمر العمري وحديث عمرو بن حريث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن إسناده الحافظ‏.‏ ولفظ أبي داود ‏(‏أزيدك أزيدك‏)‏ مرتين‏.‏ وحديث وائل بن حجر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وابن حبان والطبراني‏.‏ وحديث عروة بن الزبير لم أجد لغيره أحمد ولم أجده في باب الاقطاع من مجمع الزوائد مع أنه يذكر كل حديث لأحمد خارج عن الأمهات الست‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من أرض الزبير‏)‏ الخ يمكن أن تكون هذه الأرض هي المذكورة في حديث ابن عمر المذكور بعده في البخاري في أخر كتاب الخمس من حديث أسماء ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير‏)‏ وفي سنن أبي داود عن أسماء ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اقطع الزبير نخلا‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏حضر فرسه‏)‏ بضم الحاء المهملة وإسكان الضاد المعجمة وهو العدو‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وبعث معاوية‏)‏ أي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قوله‏:‏ ‏(‏ليقطع لهم البحرين‏)‏ قال الخطابي يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالأحياء ويحتمل أنه أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها وتعقب بأنها فتحت صلحا وضربت على أهلها الجزية فيحتمل أن يكون المراد أنه أراد أن يخصهم بتناول جزيتها وبه جزم إسماعيل القاضي‏.‏ ووجهه ابن بطال بأن أرض الصلح لا تقصم فلا تملك‏.‏ قال في الفتح والذي يظهر لي أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أراد أن يخص الأنصار بما يحصل من البحرين أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم لأنهم كانوا صالحوا عليها وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضا وقد وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك في عدة أراض بعد فتحها وقبل فتحها‏.‏ منها إقطاعه تميما الدار ببت إبراهيم فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم واستمر في أيدي ذريته من ابنته رقية وبيدهم كتاب من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك وقصته مشهورة ذكرها ابن سعد وأبو عبيد في كتاب الأموال وغيرها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فلم يكن عنده ذلك‏)‏ يعني بسبب قلة الفتوح وأغرب ابن بطال فقال معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه أقطع المهاجرين ارض بني النضير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أثرة‏)‏ بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور وأشار صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش على الأنصار بالأموال والتفضيل بالعطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوته وفيه ما كانت فيه الأنصار من الإيثار على أنفسهم كما وصفهم بذلك فقال ‏{‏يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‏}‏ وأحاديث الباب فيها دليل على أنه يجوز للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة إقطاع الأراضي وتخصيص بعض دون بعض بذلك إذا كان فيه مصلحة وقد ثبت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الإقطاع غير أحاديث هذا الباب والباب الذي قبله‏.‏ منها أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أقطع صخر بن أبي العيلة البجلي الأحمسي ماء لبني سليم لما هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء ثم رده إليهم في قصة طويلة مذكورة في سنن أبي داود‏.‏ ومنها ما أخرجه أبو داود عن سبرة بن معبد الجهني أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى تبوك وأن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم من أهل ذي المروة فقالوا بنو رفاعة من جهينة فقال قد أقطعتها لبني رفاعة فاقتسموها فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل‏.‏ ومنها عند أبي داود عن قيلة بنت مخرمة قالت ‏(‏قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وتقدم صاحبي يعني حريث بن حسان وافد بكر بن وائل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال يا رسول اللّه اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء أن لا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور فقال اكتب له يا غلام بالدهناء فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري فقلت يا رسول اللّه إنه لم يسألك السوية من الأرض اذ سألك إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك فقال أمسك يا غلام صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان‏)‏ يعني الشيطان‏.‏ وأخرجه أيضا الترمذي مختصرا‏.‏ ومنها ما أخرجه البيهقي والطبراني ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور وأقطع ابن مسعود فيمن اقطع‏)‏ وإسناده قوي‏.‏

 باب الجلوس في الطرقات المتسعة للبيع وغيره

1 - عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول اللّه ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق يا رسول اللّه قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن الزبير بن العوام ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لأن يحمل أحدكم حبلا فيحتطب ثم يجيء فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني به فينفقه على نفسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث الزبير أخرجه البخاري أيضا بنحو ما هنا وقد اتفق الشيخان على مثل معناه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة من أبواب الزكاة قوله‏:‏ ‏(‏إياكم والجلوس‏)‏ بالنصب على التحذير قوله‏:‏ ‏(‏ما لنا من مجالسنا بد‏)‏ فيه دليل على أن التحذير للإرشاد لا للوجوب إذ لو كان للوجوب لم يراجعوه كما قال القاضي عياض وفيه متمسك لمن يقول أن سد الذراع بطريق الأولى لا على الحتم لأنه نهى أولا عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا مالنا من مجالسنا بد ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة وذلك أن الاحتياط في طلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة‏.‏ قال الحافظ ويحتمل أنهم رجوا وقوع النسخ تخفيفا لما شكوا من شدة الحاجة إلى ذلك يعني فيكون قولهم المذكور دليلا على أن التحذير الذي في قوة الأمر للإرشاد قال ويؤيده أن فيي مرسل يحيى بن يعمر ون القوم أنها عزيمة قوله‏:‏ ‏(‏إذا أبيتم إلا المجالس‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏فإذا أتيتم إلى المجلس‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏غض البصر‏)‏ الخ زادأبو داود في حديث أبي هريرة ‏(‏وإرشاد السبيل وتمشيت العاطس إذا حمد‏)‏ وزاد الطبراني من حديث عمر ‏(‏وإغاثة الملهوف‏)‏ وزاد البزار من حديث ابن عباس ‏(‏وأعينوا على الحمولة‏)‏ وزاد الطبراني من حديث ابن سهل بن حنيف ‏(‏وذكر اللّه كثيرا‏)‏ وزاد الطبراني أيضا من حديث وحشي بن حرب ‏(‏واهدوا الأغبياء وأعينوا المظلوم‏)‏ وجاء في حديث أبي طلحة من الزيادة ‏(‏وحسن الكلام‏)‏ وقد نظم الحافظ هذه الآداب فقال‏:‏

جمعت آداب من رام الجلوس على ** الطريق من قول خير الخلق إنسانا

أفش السلام وأحســن في الكـلام ** وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا

في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ** لهفان واهد سبيلا واهد حيرانا

بالعرف مروانة عن نكر وكـف أذى ** وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا

والعلة في التحذير من الجلوس على الطريق ما فيه من التعرض للفتنة بالنظر إلى من يحرم النظر إليه وللحقوق للّه وللمسلمين التي لا تلزم غير الجالس في ذلك المحل‏.‏ وقد أشار في حديث الباب بغض النظر إلى السلامة من الاحتقار والغيبة وبرد السلام إلى اكرام المارو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع مالا يشرع‏.‏ وعلى هذا النمط بقية الآداب التي أشرنا إليها ولكل منها شاهد صحيح أو حسن‏.‏ وقد استوفى ذلك الحافظ في الفتح في كتاب الأستئذان‏.‏ وحديث الزبير قد سبق شرح ما اشتمل عليه في كتاب الزكاة ذكره المصنف ههنا لقوله‏:‏فيه فيضعه في السوق فيبيعه فإن فيه دليل على جواز الجلوس في السوق للبيع ولا تخلو غالب الأسواق من كثرة الطرق فيه‏.‏